info@zawayamedia.com
بيئة

قراءة في تقرير آفاق الطاقة العالمي الأخير... فهل ننقذ العالم في COP26؟

قراءة في تقرير آفاق الطاقة العالمي الأخير... فهل ننقذ العالم في COP26؟

يؤكد أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPPC، أن الأنشطة البشرية لها تأثير عميق على المناخ، بل ثبت أن هذا التأثير السلبي "لا لبس فيه"، ولكن لحسن الحظ وربما للمفارقة، يُظهر تقرير آفاق الطاقة العالمي لعام 2021، مع التطلعات نحو 2050، والصادر عن وكالة الطاقة الدولية، أن دول العالم تعلم ما يجب عليها فعله، وتعمق التقرير بالتفاصيل الجوهرية وكذلك التكلفة المعقولة للوصول إلى حلول، ويحسب هذا الموقف في هذا التقرير الأخير للوكالة لها، أمام المواقف المترددة "والمبهمة" عبر تقاريرها السنوية في الأعوام السابقة، والتي تم انتقادها من قبل الباحثين في مجال المناخ، ومع ذلك، تبقى المشكلة المزمنة، بأن دول العالم لا تفعل ما يحتاجه العالم أجمع فعلا، أو ما يجب أن تفعله للحد من ارتفاع نسبة الانبعاثات، ويأتي السؤال الحاسم هل سيتغير ذلك في COP26 في غلاسكو، وهل سنتمكن دولا وأفرادا من إنقاذ العالم في هذه القمة؟


 لقد قسمت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الحل إلى أربعة أنواع من الأجزاء، وربما يمكن تبسيطها على النحو التالي: أ: السياسات الفعلية من قبل الحكومات، ب: تنفيذ التعهدات المعلنة، ج: التنمية المستدامة، ود: الوصول إلى صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050.


ويبدو بالظاهر أنها خطة يمكن تنفيذها، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، ولا في أربع نقاط فقط، فقد يبدو أن الدول يمكنها القيام بذلك، لكنه بالطبع مسار قد يكون صعبا، لذا فإن ما عملت عليه وكالة الطاقة الدولية، يعتبر خارطة طريق لقطاع الطاقة العالمي للوصول إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة وصولا إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050.


وتكمن "روعة" هذه الخطة في أنها تضمن استمرار وجود إمدادات طاقة مستقرة وبأسعار معقولة، ما يمكّن النمو الاقتصادي، كما أنها ستوفر الكثير من الوظائف، وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الشروط، ولعل الشرط الأساسي لهذه الخطة هو أنه على الحكومات أن تكون حازمة حقًا في تقديم السياسات الصحيحة، أو ما يمكن شمله بتوصيف "الحوكمة الرشيدة في مجال مكافحة التغير المناخي" ولكن فعليا فليس لدى الدول أفضل سجل في هذا المجال، كما وأن ما نحتاجه أيضًا في هذا المجال هو الكثير من التعاون الدولي.


وقد عرض التقرير لسيناريوهات ثلاثة لهذا الحل، ولن نتطرق لها، كونها أخذت الكثير من البحث ولكن سنتكلم بالإجمال عما تتطلبه هذه الخطة من جهود والتزامات ولا سيما الحوكمة الرشيدة وغيرها.


لذلك، عند الحديث عن هذه الشروط والمتطلبات السابقة، فإن التقرير يقول أن كفاءة الطاقة يجب أن تتحسن حوالي ثلاث مرات عن المعدلات الموجودة في الوقت الحالي، وهذا لا شك يتطلب جهدا كبيرا، كما ويحتاج للتركيز على الأولويات، لا سيما في مجالي البحث والتطوير، كما ونحتاج إلى تقنيات جديدة للطاقة المستمدة من الهيدروجين، ونحتاج في هذا المجال إلى بطاريات ذات كفاءة تخزين أفضل، ونحتاج إلى تقنيات التقاط الكربون من الهواء وتخزينه بشكل مباشر، وعلى سبيل المثال لنفترض أن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الذي يترك مصنعًا، يمكن التقاطه هناك، وتجنب دخوله في الهواء، وهذه التقنيات، خصوصا الأخيرة، موجودة نظريا ولكنها غير مستخدمة ومطبقة بالفعل حتى الآن، وفي الوقت الحالي تتوفر المعرفة والتكنولوجيا اللازمة لتحقيق دفعة جيدة حقًا نحو صافي الصفر بحلول عام 2050، وفي غضون ذلك، فالمطلوب أيضا العمل على تطوير التقنيات التي يحتاجها العالم لما بعد عام 2050، للتأكد من ذلك فيجب أن يكون لدينا اقتصاد فعال، والذي سيبدو مختلفًا تمامًا عما لدينا حاليا، لكن هذا يمكن أن يوفر الطاقة لكل من يحتاجها.


إلا أنه ثمة إشارات إيجابية من بعض الدول، فالمملكة المتحدة تفكر في عدم التنقيب بعد الآن عن النفط، أما الاتحاد الأوروبي فيعاني بالفعل من أزمة طاقة ويحاول الإتجاه نحو الإتفاق الأخضر Green Deal، والصين، بدأت بالتخلي عن استخدام الفحم واستخدام الغاز. وهناك تغير بطيء إنما جذري يحتاجه الجميع وعلى الرغم أنه قد يكون مكلفًا، وأن الحكومات قد لا تكون قادرة على دعم الظروف المعيشية للجميع بما يكفي، لكن بالمقابل فعلى الدول أن تعمل جميعا الآن وبنشاط على وقف تدمير الكوكب حيث سيتعين على أطفالنا وأحفادنا أن يعيشوا وأطفالهم، لذا، فإن المسار الذي يسير فيه العالم حاليا، يجب التخلي عنه، سواء أحببنا ذلك أم لا.


بالمقابل فالأمر الإيجابي في التقرير هو أن الطريقة التي حسبتها وكالة الطاقة الدولية سواء كان مقبولا من قبل صناعة طاقة الوقود الأحفوري أم لا، فإن ما نشهده هو اتجاه هؤلاء إلى مصادر الطاقة المتجددة، وهو ما نشهده من اتجاه عمالقة النفط نحو الطاقة الخضراء، فمن كتب التقرير ليسوا من النشطاء الخضر، بل هم وكالة الطاقة الدولية والطريقة التي حسبوا فيها التكلفة، وجدوا بأن التكاليف سترتفع، وبالمقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي العالمي ستكون نسبة 0.4 بالمئة من التكلفة الإضافية على هذا الناتج، أي ما يقدر بتريليونات الدولارات، لكن بالمقابل سنكسب الكثير منها، إذ سيؤدي إلى ارتفاع هذا الناتج المحلي الإجمالي لاحقا إلى 4 بالمئة، لذلك فإنه من المنطقي اقتصاديًا متابعة هذه الخطة، بالإضافة إلى الأولوية الحقيقية وهي أننا يجب أن ننقذ بها الكوكب وكذلك فإنها تعني صحة أفضل للناس بسبب التخلص من التلوث.


فهناك سبعة أو تسعة ملايين شخص يموتون كل عام بسبب تلوث الهواء وهذا مرتبط أيضًا بتغير المناخ، سوف نحصل على كوكب أكثر عدلاً وأفضل من كافة المناخي، وهواء أكثر صحة، وأنظف، والمسار الذي يجب أن نتبعه، ضيق للغاية، وهناك الكثير من المتطلبات وصعوبة جمة، خصوصا الحوكمة الرشيدة من جميع الحكومات في العالم، وهي تتعاون وتعمل معًا، لكن بالطريقة التي تم بها حساب ذلك، فهي الطريق الأفضل ولو الأصعب التي يجب اتباعها.


وفي هذا المجال، فالسؤال الآخر هو، هل يعتبر كافيا، إن تمكن الثلاثة الكبار (المسؤولون عن أكبر نسبة من الإنبعاثات تنتج معظم ثاني أوكسيد الكربون) أي الصين والولايات المتحدة والهند، من الوصول إلى صافي الصفر؟ والحقيقة إن كل بلد وكل فرد في العالم مسؤول، وفي هذا المجال، فقد عبرت 192 دولة وأكثر حول العالم عن هذه المسؤولية، عندما التزمت جميعًا بتطبيق اتفاقية باريس.


ويمكن التفكير بالحل من زاوية ثانية، فإن لم نتوجه لأكبر ثلاثة فحسب، بل توجهنا نحو أكبر 15 مصدرًا للانبعاثات في العالم، فإن تمكنت تلك البلدان الخمسة عشر من التفاوض، فقد غطينا المشكلة بنسبة 70 بالمئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في العالم.


ومع بدء فعاليات قمة COP26، والتي تستمر لمدة أسبوعين، نأمل أن تتواجد كل دولة في هذا المؤتمر، وألا تكون مجرد استعراض آخر، بل التوجه لتطبيق لما تم الإتفاق به عليه في باريس في عام 2015، أوCOP21، وربما إلى أكثر من ذلك، فقد كان هذا الإتفاق أمرًا مهمًا حقًا، لأن جميع دول العالم وافقت على تحديد مستوى، وهو أنه لا يمكن أن يتجاوز ارتفاع درجة الحرارة درجتين مئوية، ويفضل ألا يزيد عن درجة ونصف مئوية، وحاليا فإن COP26  مهم أيضا لأن الدول تعهدت أنه خلال خمس سنوات (وقد تم تأجيل هذا الموعد بسبب الوباء، إلى بعد ست سنوات)، بتعزيز تعهداتها، ومساهماتها المحددة وطنيًا، لذا فإن سبب أهمية هذا المؤتمر، هو الالتزام بما تعهدت وبالذي ستفعله كل دولة، ببذل أقصى الجهود للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي سترفع من طموحاتها.


وإن تمكنت كل دولة من فعل كل ما وعدت به حقًا، فسيظل لدينا وفقا لسيناريوهات التقرير ارتفاعا قد يصل إلى ثلاث درجات حرارة بحلول نهاية هذا القرن، لذلك أي شيء يمكن أن يخفض ​​درجة الإحترار ولو بنسبة أجزاء من الدرجة، يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا بالفعل وعلى مستوى العالم.


 


 

قراءة في تقرير آفاق الطاقة العالمي الأخير... فهل ننقذ العالم في COP26؟ 1
سوزان أبو سعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

Managing Editor

ناشطة بيئية وصحافية متخصصة بالعلوم والبيئة

تابع كاتب المقال: