بعد تأجيله من عام 2020 بسبب الوباء العالمي ، بدأت قمة المناخ COP26 الحاسمة في غلاسكو لإنقاذ كوكب الأرض من كارثة مناخية، فهناك شواهد ملموسة، فمن حرائق الغابات الهائلة في سيبيريا والفيضانات غير المسبوقة في ألمانيا وبلجيكا، إلى المجاعة في مدغشقر والحرارة المحطمة للأرقام القياسية في الغرب الأميركي، فقد أصبح من الواضح تمامًا أن تغير المناخ ساهم في حدوث ظواهر جوية متكررة وشديدة بشكل متزايد، وكما تم وضعه في أحدث تقرير علمي صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة (IPCC)، والذي تم نشره في آب/أغسطس من هذا العام، والذي حدد الوضع الحالي لمناخ العالم وعواقب التقاعس عن اتخاذ إجراء في هذا الصدد، لكنه يبدأ هذا المؤتمر أيضا على وقع خلافات حادة بين الدول، ما قد يقوّض العمل المناخي الطارئ، الذي أشير إليه بـ "الإنذار الأحمر للبشرية" في هذا التقرير الأخير.
خلافات مزمنة
والخلافات الأساسية المشترك بينها، تترأسها راعية اتفاق باريس التاريخي للمناخ COP21، أي فرنسا، فبين أزمة الغواصات بين فرنسا وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية، وحقوق الصيد بين فرنسا وبريطانيا في المياه الإيرلندية، تأتي أيضا القضايا المتعلقة بالعلاقات والخلافات بين الصين والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الأزمات بين الدول، والتي أرخت بظلالها في مباحثات قمة الـ 20 في روما، والتي أدت وفقا للنقاد إلى مقررات ضعيفة بما يخص تغير المناخ، لتنتقل بعدها الدول إلى قمة غلاسكو، وهناك تخوف من ألا تكون هذه القمة تنفيذا لتعهدات قمة باريس، وألا تتحقق مقولة رئيس COP26 ألوك شارما، حيث مهد لقمة غلاسكو بقوله "باريس وعدت وعلى غلاسكو أن تنفذ وتحقق الوعد".
وقبل المضي قدما في هذا المقال، فهناك العديد من الأمور المتشعبة والأساسية في آن معا، لبحثها في أروقة مؤتمر غلاسكو ابتداء من الأمس 31 تشرين الأول (أكتوبر) وحتى 12 تشرين الثاني (نوفمبر)، وهنا نذكر بعضها مختصرة بشكل كبير، ولكن الحقيقة تبقى، لا مناص من العمل المناخي، رغم صعوبة العمل بهذا المجال، علما أن العالم سيشهد المزيد من التغيرات المناخية، فتغير المناخ، لن ينتظر أحدا، ولا يمتلك الكوكب رفاهية إضاعة المزيد من الوقت، خصوصا مع ازدياد وتيرة الأحداث المناخية الشديدة وحدتها، ولكن يبقى الأمل بأن المساهمة القليلة ولو بتخفيض الإحترار العالمي ولو بأعشار من الدرجة، سينعكس على الأزمة المناخية المتفاقمة، يقول قادة المناخ إن صبرهم مع رؤساء الصناعة والسياسيين غير المتعاونين قد نفد.
الكارتيل النفطي
وفي هذا التقرير الأحدث الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPPC، فلا مناص من التوجه نحو تحقيق مقررات مؤتمر باريس، وتلوح في الأفق غيوم ملبدة، فهناك الحد الأقصى من المفاوضات، مقابل الحد الأدنى من التنفيذ، ويخشى أن يتحول المؤتمر إلى استعراض آخر كما حصل من قبل، خصوصا بعد كشف مجموعة Unearthed التابعة لـ Green Peace في المملكة المتحدة، عن 32 ألف وثيقة لمحاولة بعض الدول الضغط تحت تأثير الكارتيل النفطي والشركات العالمية للصناعات الملوثة بهدف تغيير بعض المصطلحات في هذا التقرير.
وفي هذا المجال، فهذه الأطراف المختلفة تغلب مصالحها الإقتصادية على مصلحة الكوكب، وهي التي تفرض شروط وتحدد سياسات وهناك مواجهة للمجتمع الدولي مع الحكومات وهذا ما شهدناه في مؤتمرات COP السابقة وما سوف نشهده في هذا المؤتمر والمؤتمرات القادمة.
أزمة التمويل
وتأتي أولى المسائل في هذا المؤتمر، فالدفع نحو التمويل (100 مليار دولار سنويا) هو أمر أساسي، وهو ما تم التعهد به وقد حجب حتى الآن عن الذين يستحقونه أي أن الدول التي تساهم بأكثر نسبة من الإنبعاثات لا تقوم بواجباتها المادية والتي تعهدت بها لحماية الدول النامية والجزرية، ومنذ نقطة البداية في اتفاقية COP16، والتي نصت على ما يلي: "تلتزم الأطراف من الدول المتقدمة ، في سياق إجراءات التخفيف الهادفة والشفافية في التنفيذ ، بهدف الحشد المشترك لـ100 مليار دولار أميركي سنويًا بحلول عام 2020 لتلبية احتياجات البلدان النامية "، وكان هذا الالتزام محوريًا لاتفاقات المناخ منذ عام 2009 وهو رمز مهم للثقة، وتعتبر البلدان النامية، أنه أنه أمر ضروري لضمان التقدم وتحقيق أهداف باريس وتحقيق أهداف التعاون في العمل المناخي.
كوفيد 19
وقد أدى وباء كوفيد -19 والذي من المرجح أن يستمر حتى عام 2021، أو ربما إلى فترة أطول، إلى تغيير جذري في سياق التمويل الدولي للمناخ. لقد أدى إلى أسوأ أزمة إنسانية واقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية وآثار هذه الأزمة كانت شديدة بشكل خاص في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (EMDEs)، التي عانت من خسائر كبيرة في الإيرادات مع آثار غير مباشرة على أوضاعها المالية وديونها المتراكمة ومنها لبنان.
وقد أدت أزمة الطاقة الأوروبية الأخيرة، والصداع اللوجستي لـ COVID-19، والغياب الحاسم "والمتعمد" من قبل بعض قادة العالم إلى الشك في نجاح المفاوضات، في حين أن بعض المراقبين قلقون من أن الدول الغنية في العالم ستستمر في كبح الدعم المالي الحاسم للاقتصادات الأقل تقدمًا، وهذه الدول التي ساهمت بالقدر الأقل في خلق أزمة المناخ الحالية، ما هو مطلوب في قمة غلاسكو هو حزمة كاملة من الإصلاحات وخصوصا موضوع الاستهلاك، فهناك قارة من البلاستيك في المحيط، تذكرنا بضرورة العمل في هذا المجال.
مسار صعب
وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم في مجال تغير المناخ في السنوات الأخيرة، لكن العالم لا يزال بعيدًا عن المسار الصحيح لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات الواردة في اتفاقيات باريس، حيث لا يزال من المرجح أن تؤدي الالتزامات الحالية للبلدان إلى مستوى مدمر من الاحتباس الحراري في العقود المقبلة. ولكن بينما تقوم البلدان بصياغة خلافاتها في قاعات اجتماعات غلاسكو ، فلا أحد يخمن ما إذا كانوا سيتوصلون إلى اتفاق للقضاء على انبعاثات العالم في العقود القادمة، والوصول إلى تخفيض الإحترار المناخي إلى ما دون درجتين مئويتين وربما إلى حدود الدرجة ونصف الدرجة، من مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ويجد الباحثون أن المسار صعب للغاية.
المتفق عليه، أن تغير المناخ سبق مسار المؤتمر الدولي، وحتى لو تم تطبيقه وبحذافيره، فالتغير المناخي بدأنا نلمسه وفي كل أنحاء العالم، وسنشهد المزيد من مظاهر التطرف المناخي، وخصوصا بعض مناطق الشرق الأوسط حيث من المتوقع أن تصبح بعضها غير صالحة للسكن بحلول العام 2050، فضلا عن اختفاء دول (الدول الجزرية) عن خارطة العالم بعد غرقها، ومنها نواكشوط عاصمة موريتانيا، وما نشهده من انحسار الجليد وذوبانه وتأثيره على التنوع البيولوجي والساعة البيولوجية لكثير من الحيوانات، فضلا عن انقراض الكثير من الكائنات الحية، ولا يمكننا أن ننسى الأمراض السارية قبل كوفيد 19، ومنها الملاريا، التي أدى التغير المناخي إلى زيادة الحالات والوفيات، وما سبق أمثلة، وهناك لائحة كبيرة من التأثيرات في هذا السياق، حيث لا تكفي الوعود وتنفيذها فحسب، بل الطموح الإضافي والتعاون العالمي في العمل المناخي، فليس لدينا كوكب "ب" ولا خطة بديلة.