بعد المسار الرائع الذي وثقناه في مقال نشر الأسبوع الماضي في موقع "زوايا ميديا" في مَحميّــة وادي القُـفّ على مقربة من مدينة الخليل (خليل الرحمـن)، استكملنا في فريق "مسارات فلسطينية" جولتنا هذا الأسبوع باستكشافنا رحاب مدينة الخليل نفسها، وبالتحديد "حارة القزازين" في البلدة القديمة، حيث تتم صناعة الزجاج والخزف وغيرها حيث يتم تصنيع معظمها عبر تدوير البقايا الزجاجية، وبأسلوب تراثي إبداعي وحرفي متقن ومستدام، لكن هذه الصناعة مهددة بالإندثار، لصعوبة إتقان هذه الحرفة، فضلا عن عدم الإهتمام الرسمي بها، لجهة المحافظة عليها والترويج لها، بحيث تؤمن الدخل للعاملين بها، وحتى أن المناهج الدراسية تخلو من أي ذكر لهذا الفن التراثي الأصيل.
وتعتبر صناعة الزجاج من الحرف العريقة التي تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل في مدينة الخليل جنوب فلسطين، وتلاقي هذه الصناعة إقبالاً من السيّاح والزوار في المدينة لشراء التحف والهدايا والتذكارات المميزة، خصوصا من "حارة القزازين" نسبةً إلى عمّال الزجاج في البلدة القديمة.
تشكل صناعة الزجاج والخزف بالطريقة اليدوية القديمة في مدينة الخليل، هوية ثقافية وتراثية للمدينة المميزة بمكانة دينية وتراثية وصناعية، وتعتمد هذه الصناعة على المواد الخام المحلية، التي غالبًا ما تكون من مخلَّفات الزجاج والتي يتم الحصول عليها من الباعة الذين يجمعون زجاجات المياه الغازية الفارغة أو من تجار الزجاج، ومن أهم متطلبات العمل في مهنة الزجاج هو تحمل مشقة العمل أمام أفران الصهر، حيث توفر الروح الإبداعية والفنية ما يؤهل العامل الحرفي اكتساب مهارات التشكيل، وتدهش لمشاهدة خفة يد صانع الزجاج وصفاء نفسه الذي يشكل اشكالا وألوانا جميلة للغاية للزجاج الذي أمامه، ما يسر الناظرين ويدهش كل من يشاهد إنتاجه، ولصعوبة اتقان هذه الحرفة، فلا يوجد الإقبال الكافي لتعلم تلك الحرفة، ما يساهم بالحد من انتشار تلك الصناعة.
وتعتبر صناعة الزجاج إحدى الأنشطة الإقتصاديّة البالغة الأهمية للإنسان، والزجاج مادةٌ بلورية شفّافة هشةٌ ولا يخلو بيت من البيوت من الزجاج، الذي يتميز بإستخداماته المتعددة في حياتنا حيث تصنع منه المرايا وبعض أواني المطبخ من أكواب وصحون كذلك الأبواب والنوافذ والطاولات والنظارات الطبية والعدسات الزجاجية ومقاييس الحرارة، وأيضا فإن الزجاج يستخدم في صنع الأواني المزخرفة مثل المزهريات وغيرها، ويُستعمل زجاج الخليل للزينة وكتحف أكثرَ منه استعمالاً عمليًا، وذلك بسبب ارتفاع أسعار الزجاج التقليدي في فلسطين .
في الوقت الحاضر، يتم إعادة تدوير الزجاج وهو عمل بيئي مستدام وهام، وتعتمد العديد من العائلات في الخليل على إنتاج الزجاج كمصدر دخل للأسرة، وتم الحفاظ على إسرار المهنة ونقلها من الأجداد إلى الأبناء من قبل هذه العائلات الذين يعملون في مصانع الزجاج .
وفي نهاية جولة فريق "مسارات فلسطينية" في خليل الرحمن استمعنا الى شرح مفصل كيف تتم صناعة الأباريق، والفوانيس، والتحف الزجاجية، والمزهريات والكؤوس المنزلية والمناظر وكؤوس الحجامة والصحون وغيرها من الأشكال والمجسمات، وبأحجام مختلفة، بفن وإبداع ودقة متناهية تبهر كل من يراها ويعاينها وتدفعه لشرائها لجمالها الأمر الذي دفع المشاركين الى شراء الزجاج باشكاله والوانه المختلفة .
ونوجه همسة في هذا المجال في آذان صناع القرار ( ليس من المعقول ان لا توجد ولا مادة دراسية حول هذا الموضوع التراثي والحضاري الفلسطيني الجميل في مناهجنا الفلسطينية) .