info@zawayamedia.com
بيئة

مسار محميّة وادي القُفّ وكهْف طور الصَفا... طبيعة فلسطين وعبق جمالها

مسار محميّة وادي القُفّ وكهْف طور الصَفا... طبيعة فلسطين وعبق جمالها

في جو خريفي منعش بالهواء اللطيف، واستغناء الأشجار عن أوراقها الصفراء الشاحبة، حيث صفت السماء بلونها الأزرق الذي يعكسهُ صفاء البحر والساحل الفلسطيني الجميل، كان فريق "مسارات فلسطينية " في أحضان الطبيعة وتحديدا في مَحميّــة وادي القُـفّ على مقربة من مدينة الخليل (خليل الرحمـن) مَهدُ الجمال المتجدّد الذي لا ينتهي أبدًا، وإذ نتأمّل في الطبيعة، احترنا في أيّ مشهد نُحدّق، ففي كل ما فيها سحرٌ خاصّ، وغامض والأشجار الحرجية الجميلة تسحر العقل والقلب لشدّة جمالها وشموخ أشجارها، والينابيع والأشجار والأزهار وكلّ شيء فيها لا يمكن وصفه إلا بحمال أخاذ لا تمل منه العين .


وتحتضن محافظة الخليل في مختلف أرجائها العديد من الأماكن السياحية التاريخية والدينية والطبيعية، ومن ضمنها كهف طور الصفا  الواقع في التلال الغربية لمحافظة الخليل، وبالتحديد في مَحميّــة  وادي القُـفّ، وهو كهف أثري قديم، يعد أكبر الكهوف في المنحدرات الغربية في فلسطين، وتقول بعض الروايات أن طول الكَهْفُ الكلي يبلغ حوالي 441 م، فيما يبلغ إرتفاعه 15 متر في بعض المقاطع، ويُعَد كهف طور الصفا آية من آيات الجمال وذلك لروعة تكوينه والمناظر والتجاويف الجميلة التي تكتنفه.


وتقع  مَحميّــة "وادي القُـفّ"على بُعد ستة كيلومترات شمال غرب مدينة الخليل والتي حافظت على هيبتها وجمالها وشموخ أشجارها منذ مئات السنين، فظلت المنطقة عامرة بالأشجار الخضراء، رغم توقف التشجير الحكومي منذ العهد العثماني لتروي قصة ملايين السنين التي تعود إلى حقب تاريخية موغلة في القدم .


تحيط بالمَحميّــة قرى وبلدات فلسطينية عدة تلتصق بها، فمن الشمال الشرقي بلدة بيت كاحل، ومن الغرب بلدة ترقوميا وبلدة بيت أولا، ومن الجنوب الشرقي أراضي مدينة الخليل.


وقد نفذت مجموعة " مسارات فلسطينية " في وقت سابق، رحلة استشكاف ومغامرة ومساراً بيئيا إلى محافظة الخليل ومَحميّــة وادي القُـفّ  شمال غرب الخليل بمشاركة ما يقارب الثمانون شخصا، حيث انطلقت الرحلة صباح يوم الجمعة 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2021 من قرب بلدية البيره وصولاً الى مَحميّــة وادي القُـفّ في الخليل وهناك استمع المشاركون خلالها من أعضاء حملة (ترقوميا أجمل )، عن تاريخ  المنطقة الطبيعي الذي يعود لآلاف السنين وما تحويه من تنوع طبيعي بيئي نباتي وحيواني .


احتوى برنامج الرحلة على العديد من الفقرات المميزة، وقد شملت الاستكشاف والتعرف على معلومات تاريخية وعلمية، قدمها الرياضي المخضرم اسحاق عسلي "أبو عزمي"، وانتهى الجزء الأول من الرحلة بممارسة التسلق والاستغوار بمغامرة خاصة، استمرت قرابة الساعتين لإستكشاف كَهْفُ طَّوْرُ الصَفا الشهير والتعرف على مئات خفافيش الفواكه والتي اتخذت من الكَهْفُ موطنا لها لتعيش بداخله .


وتمتد مَحميّــة وادي القُـفّ على مساحة 3730 دونم فوق سلسلة من الجبال الوسطى حسب مصادر سلطة جودة البيئة، وعلى مر ملايين السنين نحتت قطرات المطر صخور الوادي الكلسية، فطبعت مشهداً مذهلاً من المغاور وممرات المياه التي جرت في المنطقة، وتشتهر المَحميّــة  بكثرة عيون الماء والمشاتل الزراعية  ومن أشهرها "عين حسكا" التي تعد معلما تاريجيا منذ آلاف السنين، فعمرها مرتبط بجذور مدينة الخليل، قبل نحو ستة آلاف عام، فقد أشار لها المؤرخ الفلسطيني مصطفى مراد الدباغ في كتابه النفيس (بلادنا فلسطين) وباتت حديث المؤرخين والرحالة فيما بعد.


خلال دخول بعض أعضاء الفريق الى الكَهْفُ الذي تكون من الصخور الجيرية من عصور وحقب تاريخية موغلة في القدم،  لاحظنا ان هيكلية الكَهْفُ تشير الى أنه يتكون من مستويين رئيسيين، المستوى العلوي متكون من صخور الدولميت يمتد على طول الشق الرئيسي، أما المستوى السفلي فيمتد بعد القاعة الرئيسية ويأتي على شكل أنفاق ضيقة تتطلب الزحف في بعض المقاطع .


وتقول المصادر المحلية أنه وجد داخل المغارة حطام أوانٍ فخارية وصوانية مما يدل على وجود نشاط داخل الكَهْفُ خلال العصر الحجري القديم المتوسط، كما وجدت مجموعة من القطع النحاسية والاواني الفخارية التي تعود للفترة الرومانية.


ووفقا لروايات المواطنين، لأن الفريق لم يتمكن من الدخول عميقا في الكَهْفُ، فيوجد بداخله تصاميم هندسية وهي عبارة عن غرف سكنية وحوانيت تعتبر كسوق تجاري، وبركة مياه وأماكن لربط الخيول وممر في الوسط وكلاليب من الحديد في السقف وأدراج وكهوف ودهاليز داخلية أخرى،  ويقال أن من سكنوه حفروه ليقيهم في الحروب من الأعداء لوعورة موقعه، و يقال أنه كان مأهولا بالسكان في العصرين الروماني والبيزنطي .


وتعد مَحميّــة  "وادي القُـفّ " وتعني باللهجة المحلية وادي الصخر، ملجأ لعدد كبير من أنواع الطيور المهاجرة والمقيمة والحيوانات البرية حسب لوحات إرشادية وضعتها سلطة جودة البيئة الفلسطينية داخل المحمية، كما تعتبر المَحميّــة  ملاذًا لسكان المنطقة الذين تحاصرهم الكتل الاسمنتية والجدار الفاصل والمستوطنات الإسرائيلية.


خلال تجوالنا في المَحميّــة الجميلة التي خطفت أبصارنا، ونحن  نطل من تلال الخليل الغربية على واد سحيق طوقته الجبال المعمورة بالخضار، حيث الأشجار الكثيفة مثل السرو العمودي والصنوبر الحلبي، والبلوط والخروب والبطم الفلسطيني والسريس والسنديان والزعرور والسويد الفلسطيني، إضافة إلى أشجار السدر البلدي والتي كانت تبدو على بعضها آثار الحرائق التي التهمت اجزاء من المَحميّــة العام الماضي   .


كما ويوجد في مَحميّــة "وادي القُـفّ" خمسة عشر نوعا من الفراشات، من أصل خمسة وأربعون نوعًا منتشرًا في الضفة الغربية، وأربعة أنواع من الأفاعي، وخمسة ينابيع ماء تتدفق في أعماق الوادي لتروي المستنبتات الزراعية التي أقيمت في المَحميّــة، وتعتبر المَحميّــة  مصدرًا للعديد من أنواع الأعشاب الطبية البرية والأزهار الجميلة مثل الميرمية والزعتر البلدي والبابونج والجعدة وعصاة الراعي والشيح .


May be an image of tree, monument and outdoorsMay be an image of outdoors


وتشير مصادر إلى أن المَحميّــة  كانت موجودة قبل الحكم العثماني لفلسطين، وأنها أقدم المحميات في الضفة الغربية على الأقل، وقد استخدم العثمانيون أشجارها وقودًا للقطارات، كما ظلت مأوى للطيور المهاجرة والمقيمة، رغم توقف عمليات التشجير فيها في القرن الأخير.


 

مسار محميّة وادي القُفّ وكهْف طور الصَفا... طبيعة فلسطين وعبق جمالها 1 مسار محميّة وادي القُفّ وكهْف طور الصَفا... طبيعة فلسطين وعبق جمالها 1 مسار محميّة وادي القُفّ وكهْف طور الصَفا... طبيعة فلسطين وعبق جمالها 1
خالد أبو علي

خالد أبو علي

باحث

باحث فلسطيني في مجال البيئة والتراث الشعبي

تابع كاتب المقال: