عبرت مصادر غربية قريبة من المحادثات النووية الإيرانية عن مخاوفها من قرب انهيار فرص العودة إلى المباحثات، ما يعد نهاية للاتفاق الموقع عام 2015 بين إيران والقوى العالمية.
ونقلت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية عن مسؤول في إحدى الحكومات الغربية المشاركة في المحادثات قوله إن «الصفقة لم تمت تماماً، لكنها تعيش على أجهزة الإنعاش». وأضاف أن الخلافات في الولايات المتحدة بشأن تخفيف العقوبات على إيران، وأيضاً تشدد الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة إبراهيم رئيسي، لا تبعث على التفاؤل بعودة سريعة إلى مباحثات فيينا، فيما تواصل إيران تطوير برنامجها النووي بعيداً عن أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي الوقت الحالي، يتدافع المبعوثون الدبلوماسيون للدول الأطراف في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي لعام 2015) للتوصل إلى صيغة لاستئناف المحادثات التي توقفت في وقت سابق من هذا العام. وينتظر المسؤولون المكلفون بالعمل على إحياء الاتفاق أي إشارات أو تحركات إيجابية من جانب إيران التي عملت خلال الفترة الماضية بشكل مطرد على تكثيف برنامجها، بما يتجاوز حدود الاتفاق النووي، عوضاً عن تقييد وصول المفتشين الدوليين لبرنامجها النووي. ونقلت الصحيفة البريطانية عن سنام وفيل، الخبير في الشؤون الإيرانية في مركز «تشاتام هاوس» في لندن، قوله «إن الإيرانيين يسعون من أجل وضع استراتيجية جديدة، وبناء إجماع داخلي حولها. وعلى الرغم من أن مماطلتهم قد تبدو مناورة مع الغرب لتحقيق مكاسب، فهي قد تكون أيضاً انعكاساً لشلل داخلي في اتخاذ القرار».
ومن جهة أخرى، تقول مصادر أميركية إن المحادثات التي أجراها بوب مالي، المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران، مع نظرائه الأوروبيين المعنيين بهذا الملف، قدم خلالها ضمانات وتطمينات، شدد فيها على صلابة موقف واشنطن، لناحية عدم استعدادها لتقديم أي «صك» اعتراف بأي دور إقليمي لإيران خارج وضعها «الطبيعي»، مقابل عودتها إلى الاتفاق النووي، بحسب الشرق الأوسط اللندنية.
وتؤكد تلك الأوساط أن «التصعيد النووي» الذي قامت به طهران لا يعكس حقيقة الواقع على الأرض. فالهدف الأساسي لإيران كان -ولا يزال- هو الاعتراف بحقوقها في الدول التي تمارس فيها سيطرتها. وحتى برنامجها الصاروخي الباليستي لا يثير كثيراً من المخاوف، خصوصاً أن مستقبل برنامجها النووي بات محسوماً إغلاقه لاعتراضات «حلفائها» عليه أولاً.
وفي المقابل، يبدو أن حكام طهران هم من يخشون تبعات العودة إلى الاتفاق النووي، من دون الحصول على «جوائز ترضية مكتوبة»، حتى لو استعادت بعضاً من أموالها وملياراتها المجمدة. فالتطورات الأخيرة التي جرت في العراق بعد الانتخابات النيابية، والتوتر المتصاعد في لبنان بين «حزب الله» وباقي الأطراف اللبنانية، ومراوحة حربها في اليمن، ومخاوفها مما يجري في سوريا من سيناريوات تقودها روسيا، وضعتها في حالة قلق دائم تهدد بخسارتها كل ما بنته وادعت تحقيقه. واتهام إدارة بايدن بأنها كانت تهرول للعودة إلى الاتفاق النووي قد تبين عدم صحته بعد نحو 10 أشهر. وما تم رفعه من عقوبات كان في معظمه شكلياً لا يخرق الجدار الغليظ منها، على الرغم من التحقيقات التي غالباً ما يطلبها الجمهوريون لأسباب سياسية داخلية. وكان آخرها التحقيق الذي طلبه 33 مشرعاً جمهورياً، حول رفع وزارة الخزانة العقوبات عن كيانات مرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.
ويشير بعضهم إلى أنه لو كان هدف إيران هو رفع العقوبات عنها، لكانت تصريحات بوب مالي كافية لإعطائها الضمانات. ويشدد هؤلاء على أن تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، حول «اتحاد الولايات المتحدة مع الدول الأوروبية الثلاث في ضرورة استئناف مفاوضات فيينا» تعطي رسالة واضحة، مفادها أن «المماطلة» وصلت إلى نهاياتها.
واتفقت واشنطن وبرلين وباريس ولندن، خلال مشاورات في باريس، على ضرورة عودة إيران سريعاً إلى المحادثات النووية. وقال برايس إن المبعوث الأميركي بوب مالي تحدث مع نظرائه من بريطانيا وفرنسا وألمانيا حول كيفية استمرار الدبلوماسية في «توفير المسار الأكثر فاعلية» بشأن إيران.
وقال برايس للصحافيين، مساء الجمعة، في مؤتمر صحافي عبر الهاتف: «نحن متحدون في الاعتقاد بأن المفاوضات يجب أن تستأنف في فيينا في أسرع وقت ممكن، وأن تُستأنف على وجه التحديد حيث توقفت بعد الجولة السادسة».
وترى تلك الأوساط أنه لا يوجد سيناريو مختلف لعودة إيران إلى الاتفاق النووي عن الشروط الأميركية والدولية. فالكرة الآن في ملعب طهران، في حال قررت المماطلة، خصوصاً أن الحديث عن «خطط» أميركية بديلة ومسارات مختلفة في التعامل معها قد يأخذ أشكالاً تصعيدية في أكثر من منطقة، ليس آخرها الوضع على الحدود الإيرانية - الآذرية المرشح للتصعيد في ظل وجود أكثر من لاعب إقليمي، ناهيك من التطورات التي استجدت في أفغانستان بعد سيطرة حركة طالبان على البلاد.