انطلاقا من الأحداث التي عصفت بلبنان في الآونة الأخيرة والتي نتمنى أن تكون ناجمة عدم إدارك مسبق لتبعاتها، نتأكد أن ما حصل كان يمكن أن يودي بنا إلى هوة الفتنة، ومن هنا تتراكم الأسئلة المقلقة: إلى متى؟ إلى اين؟ هل وصلنا إلى اللاإستقرار كحالة ثابتة وسط متغير إقليمي ودولي؟ وتاليا، ماذا ستقدم الانتخابات (إن حصلت)؟ ومن ثم هل من تغيير إيجابي تلوح بوادره في الافق؟
طالعنا منذ أيام قليلة رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط في المؤتمر الافتراضي على تطبيق zoom، وتناول فيه إلى قضايا سياسية عدة السبل الآيلة لتحقيق نهضة جديدة ترفد ساحة العمل السياسي بدم جديد، عبر تفعيل دور المغترب اللبناني في بناء نظام جديد يفضي إلى دولة قادرة سيدة حرة ومستقلة، علما أن مثل الأمر دونه عقبات كثيرة غير منفصلة عن تحلل المشهد السياسي الداخلي، أي أن الإغتراب اللبناني لن يكون بقادر على المساهمة في التغيير المنشود، طالما أن منظومة السلطة "خارج السمع"، ومحكومة برهانات وارتهانات تبقي لبنان مشرعا على المجهول، وفي المجهول ضَياع وفوضى!
من هنا، فمن يقرأ بين السطور يستطيع أن يستنتج أن زعيم المختارة متوجس خيفة من سائر التطورات السياسية والأمنية ولا سيما الأخيرة منها، ويؤثر في هذه المرحلة أن يكون مبادرا في سبيل حث سائر كل القوى على استيعاب ما حصل، ولذا بادر إلى لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، مبديا الإستعداد للقاء رئيس الجمهورية، واضعا نصب عينيه الحرب اللبنانية المشؤومة وما خلفت من جراح بعضها لم يندمل بعد، وما استوقفنا في هذا المجال أن جنبلاط قدم مطالعة نقدية جريئة تناول فيها حقبة الحرب الأهلية، وقال بصراحته المعهودة أننا أخطأنا في عزل المكون المسيحي، هذا النقد الذاتي يمثل قمة النضوج السياسي في مقاربة الحاضر بالإستناد إلى تجارب وعِبَر الماضي.
ومما تقدم، فإن وليد بك دأبه اليوم السعي إلى التهدئة درءا للفتنة، وتاليا توفير الظروف الموضوعية لإطلاق حوار داخلي ينطلق من مقاربة أمور إشكالية، من ضمنها الإستراتيجية الدفاعية، خصوصا وأنه يدرك أن لبنان محكوم بالتسوية، فلماذا لا نصل إليها دون حروب متنقلة وقبل تصدع الكيان وسقوط البنيان على رؤوس الجميع؟
لكن هل ثمة آذان صاغية؟ وهل هناك فعلا من يريد تغليب مصلحة لبنان بعيد من الصراعات الإقليمية والدولية؟ ومن ثم أما آن الأوان لإعادة النظر في السياسات التي أفضت إلى الانهيار؟
ليت ثمة من يعلم أن الكل خذل لبنان، شرقا وغربا، إخوة وأصدقاء، فالكل يبحث عن مصالحه ولا يتوانى عن توظيف الاصطفاف الداخلي لبنانيا بما يخدم أجندته السياسية، وحده زعيم المختارة، ومعه قلة من السياسيين المتنورين يدركون حجم الأخطار المحدقة بنا وسط براكين المنطقة القابلة للإنفجار، فيما لبنان هو الخاصرة الرخوة القابلة للتصدع عند أي منعطف خطير.
دعوة جنبلاط للحوار والتوافق هي الفرصة الأخيرة المتاحة أمامنا كلبنانيين، ودونها الخراب والحرب وصولا إلى المجهول، وهذا ما لا يدركه بعض اللاعبين على حافة الهاوية!