"إرتفع مستوى عنصر المغامرة لـدّي مع كل تسلق للصخور الملونة الجميلة، ومع كل هبوط قمت به عبر السلالم الحديدية، والتي كانت في غاية الروعة والإثارة والمغامرة" هكذا عبر المَشَّاءُ عبد الله العمر خلال سيره في وادي المُكِلّــك وسط سواقي متعرّجة متفرّقة تارة، ومتّحدة أخرى .

فـ "الأدرينالين" لم تعد مجرد مادة يفرزها الجسم أثناء تعرضه لضغط خارجي شديد أو موقف مفاجئ وخطير أو الخوف، أو يستخدمها الإنسان كنوع من أنواع رد الفعل السريع تجاه القتال أو المواقف العارضة، هذا الهرمون الذى تفرزه الغدة الكظرية أصبح من وسائل السعادة التى يسعى الشباب  في فريق "امشي وتعرف على بلدك " للحصول عليها أيضاً في مغامراتهم البيئية، فكيف كان ذلك ؟

فريق " امشي وتعرف على بلدك " الباحث عن المغامرات في المسارات البيئية الأسبوعية، قام أعضاؤه اليوم الجمعة 15 تشرين الأول (أكتوبر) برفع نسبة  هرمون" الأدرينالين" الذي يتحكم في كثير من العمليات الحيوية للإنسان، وهو ما حدث اليوم في وادي المُكِلّــك خلال السير في وادي المُكِلّــك الجميل والنزول عبر السلاسل الحديدية، حيث زادت ضربات قلوب المَشَّاءين في كل مرة كانوا يتسلقون فيها الصخور، أو المشي عبر الإلتواءات الصخرية، أو الهبوط الحاد عبر السلالم الحديدة المثبنة على الصخور، الأمر الذي أدى لسرعة ضخ الدماء في شرايين المشاركين، لإمداد عضلاتهم وخلاياهم بالمزيد من الأكسجين .

وادي المُقْلَـــق أو " المُكِلّــك " الذي يعتبر من أهم وأحد اجمل الأودية في بادية القدس، الذي "يبدأ جريانه من خط تقسيم المياه القطري في جبال القدس من ارتفاع حوالي 800 م فوق سطح البحر منحدرا شرقا نحو الشق السوري الأفريقي ليصب قرب مدينة أريحا في البحر الميت، وعلى ارتفاع أقل من 420 م تحت سطح البحر، وهذا ما يفسر شكله الاخدوي في قسمه السفلي نتيجة جريان مياه وانحدار سريع في مسافة قصيرة" كما يوضح المرشد البيئي عوني العمري.

شاهدنا خلال السير في الوادي، والتي امتدت الى ثمانية كيلومترات، الجبال الشاهقة والتي اخترقت قممها قلب السحاب تكسوها النباتات البرية الصحروية،  فلا ترى العيون سوى تموج الصخور بالوانها الجميلة البيضاء والسوداء والبنية والزهرية، ذهلنا من جمال الطبيعة الجميلة، واد سحيق تحيط به جبال صخرية، يتدفق منه عادة ماء غزير عذب صاف، يتلوّى في سواقٍ متعرّجة متفرّقة تارة، ومتّحدة تارة أخرى، لتلتقي في قعر الوادي، بين صخور صقلتها المياه الجارية على مدار آلاف بل ملايين السنين، وأرض تتراقص تحت اشعة الشمس في وادي المكلك الفلسطيني، مناظر خلابة على امتداد البصر، وقد شاهدنا أسرابا من الطيور الجميلة تبحث عن ظلٍ يحميها من الحرارة فتحط على أطراف الصخور، وتقتات من ثمار الأشجار الصحراوية، وتبني أعشاشها، وتتّخذ من الصخور مأوىً لها.

سمي وادي المُقْلَـــق الذي حفر طريقه بنفسه على مدى آلاف السنين بهذا الإسم، بسبب القلق الذي ينتاب كل من يمشي به من كثرة التعرجات فيه، كما يبدو الوادي في بعض المقاطع ضيقا وصغيرا، حيث لا يتجاوز عرضه أمتار عدة، ويتسع في بعض المناطق ليضيق في أخرى، بالإضافة إلى الخوف من الفيضان، كما وأن ثمة سبب آخر وهو الصعوبة التي يواجهها البدو في سحب المياه منه، وغسل الماشية في البرك المتشكلة من المياه والتي تسمى المكالك .

لا شيء يعدل متعة التنزه في الوادي، واكتشاف اسراره، وسبر أغواره، ولا التمتع بمشاهدة جماله، سوى الإتجاه شرقاً حيث يظهر التنوع الطبيعي للوادي، وتصبح طبيعة الأرض قريبة لبيئة البحر الميت الشبه صحراوية، حيث تنمو في منطقة الوادي شجيرات ونباتات برية بين مسافة وأخرى، وترتدي حلة خضراء وتبدو وكأنها واحات في مجرى الوادي مثل نباتات الإثل والرتم ونبات الملوح والكبا، ونبات الداتورا السامة ونبات الحنضل، والتي تأقلمت مع هذه البيئة الصحراوية القاسية .

كما وتوجد بعض المغر والكهوف، وأعشاش لطيور مختلفة، ونقاط عسكرية للجيش، وفي منطقة من الوادي توجد بركة محفورة في الصخور، وتتجمع فيه عدة روافد ووديان.

سار الفريق في الوادي متأملا الطبيعة الخلابة، وهي مناظر كفيلة بأن تشعرك بأنك بحاجة الى الصمت لا النقاش، التأمل لا الكلام،  كل شيء جميل وأخاذ، وكأنك في عالم آخر، أردنا ان نصبح جزءاً من هذا الجمال لنشارك الطبيعة صمتها ونتأمل هدوئها الصاخب في دورة الحياة والموت، لكن الجمال في فلسطين لا يكتمل  دوما، حيث يحيط  الوادي معسكرات لجيش الإحتلال التي  تشوه اللوحة، ما يجعلها في معظم أيام السنة مناطق عسكرية مغلقة .

وكان قد توجه خمسة وسبعون مَشَّاءا فلسطينيا من فريق "امشي وتعرف على بلدك"، إلى شرقي المدينة المقدسة طريق مقام النبي موسى، حيث يرقد في وادي المُقْلَـــق أو وادي المُكِلّــك السفلي، من أجل تفريقه عن وادي المكلك العلوي والذي يفصل بينهما جسر طويل، وكان الجو لطيفا و مناسبا جدا للسير في هذا الوادي بهذا الوقت من السنة .سار الفريق بأرض الوادي الغنية بأحجار الزلط المميزة الملونة، ومع إتجاه أنسياب المياه، كان السير بانحدار مستمر، وتسلق الفريق صخور الوادي وعبر بعض البرك التي عادة ما تكون مملوءه  بالمياه في اوقات الشتاء والربيع، حيث ارتفع مستوى عنصر المغامره مع كل تسلق للصخور والهبوط عبر السلالم الحديدية والتي كانت في غاية الروعة والإثارة والمغامرة .

خلال السير في الوادي شاهدنا الصخور الرسوبية والطباشيرية إضافة الى  بعض الصخور النفطية، والتي تحتوي على مواد عضوية نباتية وحيوانية تسمى الكيروجين، والتي تشكلت عبر ملايين السنين كما قال أحد الخبراء، لكنها لم تتحول بفعل الطبيعة إلى نفط تقليدي سائل بسبب عدم تعرضها للحرارة لفترة كافية.

وعبّر أحد المَشَّاءين عن مدى سعادته باهتمام "امشي وتعرف على بلدك" بمثل هذه الجولات الاستكشافية، وأوضح أن ممرات الوادي والحجارة الضخمة المنحوتة عبر آلاف السنين، تكاد تكون أعجوبة وتشبه ممر السيق في مدخل البتراء الى حد ما، لأنه يقع في الممر الضيق من الوادي، حيث ينخفض الوادي بشكل حاد، وترتفع الجبال الجرداء حوله، مما يجعل السير فيه مخاطرة كبيرة.

وأوضح الشباب القائمون على "امشي وتعرف على بلدك " انهم سيقومون بتنظيم مثل هذه الجولات واستكشاف بعض المناطق الجميلة في فلسطين، وخصوصا التي من الصعب أن يصلها أي شخص، ليتعرف شباب على بلادنا وتعميق صلتهم بالأرض والوطن، وتوثيق مسارهم في صور لتصل إلى أكبر شريحة في المجتمع والعالم.