عندما تصدّر كوفيد-19 عناوين الوسائل الإعلامية حول العالم، برز حماسٌ كبير لدى الناس لمعرفة المزيد عن هذا المرض الجديد الذي يسببه كائن مجهري، وأصبح المواطنون على تنوّع خلفيّاتهم العلميّة والعمليّة يردّدون معلومات صحيحة عن المرض ويفقهون بالمصطلحات العلميّة الدقيقة، ووصل بهم الأمر إلى حفظ أسماء الأدوية التي يتم إختبارها على المرضى ومعرفة آخر المستجدات حول فعاليّتها. لكن سرعان ما تلاشت هذه الحماسة. فماذا حدث إذاً؟
قد يكون السبب الرئيس هو وفرة المعلومات من جهة، والتباينات اللامحدودة من جهة ثانية. فعلى الرغم من أنّنا سنشهد قريباً مرور سنة على ظهور هذا الفيروس في عالمنا، لا زلنا نعرف القليل عنه ولسنا متأكدين من صلاحيّة ما نعرفه اليوم في الغد. فبتنا تارةً نشعر بطمأنينة لأن دواءً ما أثبت فعاليته، وطوراً نستيقظ برعب ٍعلى فضيحة علميّة أظهرت عدم فاعلية هذا الدواء أو ذاك.
وفي خضم هذا التضارب العلمي بين الباحثين، ظهر إلى العلن تخبط المنظمات الصحيّة حول العالم، والذي قد يكون الأخطر على المجتمعات كافة كون الناس تلجأ إلى مواقع المنظمات الصحية الإلكترونية وليس إلى الدراسات العلميّة المعقدة لمعرفة آخر المستجدات "الكوفيديّة". وهذا التخبط إنّ دلّ على شيء، فهو بالتأكيد يدل على إستغلال الفيروس لإثبات القوة وفرض السلطة.
وقد يكون الريمديسفير (Remdesivir) أحد أبرز تجليّات هذا التخبط. فقد نشرت منظمة الصحة العالمية World Health Organization في 28 أيار (مايو) 2020 إرشادات لعلاج مرضى كوفيد-19 تنصح فيها بعدم إعطاء الريمديسفير (Remdesivir) للعلاج أو الوقاية من كوفيد-19 خارج سياق التجارب السريرية. لكن في الولايات المتحدة الأميركية توجد توصيات مختلفة كلياًّ فيما يخص الريمديسفير (Remdesivir)، ففي 27 آب (أغسطس) 2020 نشرت المعاهد الوطنية للصحة National Institutes of Health أحدث توصياتها لعلاج مرضى كوفيد-19 والتي تقضي بإستخدام الريمديسفير (Remdesivir) دون سواه من مضادات الفيروسات للحالات المتقدمة من المرض، وبعد يوم واحد، أي في 28 آب (أغسطس) 2020، أعلنت إدارة الغذاء والدواء Food and Drug Administration أنّها وسّعت إذن إستخدام الطوارئ (Emergency Use Authorization) ليشمل الدواء ليس فقط الحالات المتقدمة من المرض، بل أيضاً الحالات المشتبه بها والمؤكدة مخبرياًّ الموجودة في المستشفيات. ولكن السؤال هو، أي دولة تبقي مثل هذه الحالات في المستشفيات؟ ألا يتم إبقاء الحالات المتقدمة فقط في المستشفيات؟ أو أصبح إبقاء كل المرضى جائزا لأن الريمديسفير (Remdesivir) يعطى عن طريق الحقن الوريدي؟
على الرغم من أنّنا بأمسّ الحاجة إلى أجوبة فوريّة عن العقار الأفضل لكوفيد-19، إلّا أن العلم بحاجة إلى وقت ليبيّن حقيقة فعالية وسلامة الريمديسفير (Remdesivir) وغيره من الأدوية التي تم إعطاؤها الأوليّة في التجارب السريريّة. وحتى تأتي لحظة الحقيقة الحاسمة، سوف يبقى الفيروس والمرضى حقل تجارب مباح للعلماء وأشباه العلماء!