إلى جانب الغايات العملية المرسومة له، لناحية تفعيل علاقات التبادل الاستثماريّ بين أصحاب العمل والشركات في دبي والمنطقة والعالم، ترتدي إقامة معرض "إكسبو 2020" في دبي عمقاً إنسانياً ينبغي تسليط الضوء عليه، كقاعدةٍ تصلح للبنيانٍ الإنسانيّ، وتشكل البوصلة الصواب للمستقبل الأفضل على هذه الأرض.
معلومٌ أنّه في دبي خصوصاً، ودولة الإمارات العربية المتحدة عموماً، يعيش ملايين الوافدين من أكثر من 200 بلدٍ إليها، حملوا إليها خلفياتهم الحضارية والثقافية المتنوّعة لينشروها في يوميات الحياة فيها، فشكّلوا لوحةً إنسانية تفاعلية فريدة، وقد رموا خلف ظهورهم كلّ أشكال التفرقة أو العصبيات القائمة على الانتماء العرقيّ أو الجغرافيّ، ومعها كل القولبات السياسية والأيديولوجية، ليعيشوا هنا حياتهم الطبيعية بسلامٍ ووئام وطمأنينة لم يعهدها غالبيتهم في أوطانهم، وينخرطوا في نظام حياةٍ يقوم على أسسٍ بسيطة، ولكن جوهرية، هي التزام كلٍّ منهم بواجباته التي ينصّ عليها القانون، وحصوله في المقابل على حقوقه التي يضمنها له القانون، وسط بيئةٍ عنوانها الأمان والاستقرار، وميزتها ريادةٌ في توظيف أحدث التقنيات في خدمة الإنسان، وابتكار خدماتٍ وتطبيقاتٍ ذكية تضاهي بمستواها أكثر الدول تطوراً، ويتسابق القطاعان الخاص والعام إلى توفيرها، لتكون الغلبة للأخير في العادة، في حركةٍ تنافسية مجدية تصبّ في مصلحة المواطن والوافد والزائر.
ومعلومٌ أيضاً أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة كانت الرائدة في إنشاء وزارة ٍ للتسامح، وأخرى للسعادة، وفي تشكيل "الحكومة الذكية" التي لم تكتفِ بمواكبة التطورات العالمية في قطاع التكنولوجيا فحسب، بل قادت مسارها على مستوى العالم، كما كانت دولة الإمارات أوّل دولةٍ عربية أرسلت "مسبار الأمل" إلى المريخ.
هذه هي الروحية التي تشكل المظلة التي تحت أقانيمها يُقام معرض "إكسبو 2020 دبي"، والذي أريدَ له أن يجسد عبر عناوين أبعاده الثلاثة: الاستدامة والفرص والتنقل، نموذجاً واقعياً لما يمكن- بل ينبغي- للعالم أن يكون عليه.
192 دولة حاضرةٌ عبر أجنحةٍ تحاكي في تصميمها المستقبل وأبعاد الحياة فيه وكيفية التصدّي للتحديات المتعدّدة التي تواجه الأجيال الطالعة، وتختزن في طيّاتها الهويّة الشخصية لكل بلدٍ، بعراقة تاريخه وميزات حضارته وغنى ثقافته، لترسم جميعها فسيفساء تفاعلٍ حضاريّ يختصر شعار هذا الحدث العالمي: "تواصُل العقول لصنع المستقبل"..
والأهمّ في ذلك، هو أنّ هذه الدول تتجاور من خلال أجنحتها، متجاوزةً الخلافات ومحترمةً الاختلافات في ما بينها، فتجد أعلام الدول المتصارعة سياسياً وحتى عسكرياً ترفرف معاً في هذا الفضاء الإنسانيّ الفريد، حيث تزول كل الحدود والحواجز والتعقيدات الفاصلة بين الشعوب، وتحلّ مشاعر التواصل والتعارف والتفاعل محلّ الأحقاد والعدائية، وتُستبدل الأسلحة التقليدية والعابرة للقارات بتحياتٍ وابتساماتٍ عابرةٍ إلى القلوب، ويحمل الزوّار معهم "جواز سفر إكسبو" الذي يتيح لهم "العبور" إلى كل أجنحة العالم، دون الحاجة إلى تأشيرة، أو خوفٍ من منع دخول أو إبعاد أو تقييد حرية أو إجحاف.
هنا يتناظر المختلفون ويتحدّون بعضهم بعضاً في ميادين الثقافة والفنّ والترفيه والإبداع، والتعريف كذلك بفنون المذاقات المتنوّعة، ويتشاركون "الخبز والملح" والسلام، ويتنافسون أيضاً بما يملكون من "أسلحة علومٍ وفنون شاملة" تصبّ كلّها في خدمة الإنسان ومستقبله والاستدامة، وفي تطوّر البشرية جمعاء.
هنا تنفّذ الطائرات الفرنسية مثلاً غارات محبّةٍ وتقدير على أجنحة الدول المشاركة في المعرض، وتزّين السماء فوقها بالألوان والعروض الفرحة.
إنّه العالم الذي اختصره صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، في تغريدةٍ له في افتتاح معرض "إكسبو 2020 دبي"، قال فيها: "أهلاً بالعالم.. أهلاً بالمستقبل.. أهلاً بالإنسان من كل مكان".