منذ أيام، وأصوات طيور "الوروار" تملأ صباحاتنا وفي مناطق متعددة في لبنان، وعلى الرغم من الأزمة الإقتصادية، وطوابير الذل التي رضخ لها "الشعب العنيد"، تزامنا مع انهيار الليرة وشحها في جيوب الناس، إلا أننا لا زلنا نسمع أصوات إطلاق النار على هذه الطيور الجميلة وغيرها من الطيور المهاجرة التي تعبر سماءنا، ولا يوفرون الطيور المقيمة ولا البوم ولا حيوانات الخفاش وكل ما يطير، وفي تحدٍ واضح لقرار وزير البيئة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الدكتور ناصر ياسين بتعليق موسم الصيد.
لبنان... الثقب الأسود للطيور المهاجرة
فمن المعروف أن لبنان وهو الممر الثاني في الأهمية للطيور المهاجرة بعد ممر أميركا الشمالية إلى الجنوبية، قد لقب من قبل ناشطين حول العالم بـ "الثقب الأسود" للطيور المهاجرة، حيث ترتكب مجازر سنوية وبكافة الطرق غير المشروعة بالصيد، ولذلك فقد استقطب لبنان العديد من المنظمات العالمية التي تعمل على حماية الطيور سواء المهاجرة والمستوطنة، ومنها لجنة مكافحة ذبح الطيور CABS التي يزور أفرادها المناطق "الحامية" في مقتل الطيور حاليا، لمحاولة الحد من هذه الظاهرة، وبالتعاون مع جهات لبنانية مثل مركز الشرق الأوسط للصيد المستدام ووحدة مكافحة الصيد الجائر (APU) فيه والتابعة لجمعية حماية الطبيعة في لبنان، وصيادين مسؤولين (مستدامين) وبمؤازرة قوى الأمن الداخلي.
منظور موضوعي
لسنا هنا في إطار دراسة "العمق السيكولوجي" لظاهرة الصيد التي تستقطب أكثر من 15 بالمئة من الشعب اللبناني (أكثر من 600 ألف صياد)، ولا في تحليل "المتعة" التي يشعر بها الصياد لمنظر الدماء، ولا التعمق في هذه الهواية "القاتلة" التي يستخدم فيها البعض الذين يطلق عليهم لقب "قواصين" أو "قواسين" من أساليب منفرة وغير قانونية مثل الشبك وأدوات التسجيل والصيد الليلي بالأنوار الكاشفة والدبق وغيرها، وهي أساليب تعتمد وسائل الإحتيال والخديعة لاستقطاب الطيور، لترتكب بحقها مجازر وبأعداد مهولة وفقا لتقرير عالمي، فهذه مجالات للباحثين في علم النفس، بل نحاول أن نتوصل لمنظور موضوعي ولسنا هنا لإطلاق الأحكام أو للتعميم أيضا، فثمة مجموعات من الصيادين تتبع الصيد المسؤول، وتشتكي من قلة الطرائد والطيور في المواسم، بعد أن اجتاحت سهول الصيد جحافل الصيادين و"القواصين" أو "القواسين"، وهو وصف لمن يتبع كل الأساليب غير المشروعة في الصيد ولا يهمه نوع الطائر الذي يصطاده، فالهدف أن يقتل فحسب كل ما يطير، لدرجة أن أحد هؤلاء الصيادين المسؤولين، أكد أنه ليس هناك موطئ قدم في بعض الأحيان في بعض المناطق "المقاوص"، تزامنا مع اختفاء أنواع طيور عديدة، فضلا عن أعداد قليلة من الطيور عما كانت تمر عبر بلادنا في مواسم الهجرة في الربيع والخريف، بل الهدف هو عملية نقد شفافة لهذه الظاهرة في ظل هذه الأزمة وتبعا للقوانين المرعية الإجراء، فضلا عما اجتاح مواقع التواصل الإجتماعي لصيادين تحدوا قرار الوزير، وقاموا بتوثيق عمليات الصيد بالصوت والصورة، على الرغم من التحذيرات المتواصلة من قبل قوى الأمن الداخلي، وصولا إلى تنفيذ عقوبات بحق الذين يتحدون هذا القرار، وعلى الرغم مما يعاني منه هؤلاء من طوابير الذل والفاقة والعوز، لكنهم وفقا لأحد الناشطين "هو إدمان كإدمان المخدرات، حيث يضحي البعض بلقمة عيشهم وقوت عائلاتهم في سبيل رحلة صيد تكلف الملايين".
زيارة ميدانية
وفي إحدى زياراتنا الميدانية في منطقة المتن الأعلى، التقينا بشاب يافع لا يتجاوز عمره 12 عاما، وهو يحمل بندقية صيد "12 رفيع" وبعض الطيور، وعند سؤاله رد بفخر، أنه اصطاد 12 طائر سنونو، وحاولنا أن نقنعه "بلا طائل" بأن هذا الطائر ممنوع صيده، وبأنه العدو الأول للحشرات الضارة من البعوض وغيرها، وحاولنا بعدها إقناعه من وجهة ثانية، بأنه قاصر وبالتالي فإن قيامه بالصيد مخالف للقانون، وأن المعنيين متشددون للغاية لناحية الصيد وخصوصا وأن الموسم لم يفتح بعد، ومن الممكن أن يسجن والده كونه الوصي وأن يصادر سلاح الصيد، ولكنه لم يكن مقتنعا، وبالتالي، فإن هذا يحتم بأن تضطلع وزارة التربية والتعليم العالي وما يتبعها من مدارس ومعاهد وجامعات وغيرها، بضرورة إدراج مادة أساسية للتوعية البيئية، في مناهجها المختلفة وبشكل فوري، لتناول كافة الملفات البيئية وليس ملف الصيد وحده فحسب.
معلوف: طيور مهددة وموائل احترقت
وقد استحوذ قرار وزير البيئة على انتباه الناشطين والصيادين و"القواصين" وتجار أسلحة الصيد على حد سواء، وبين تهليل لهذا القرار من جهة، وغضب عارم من جهة أخرى، "فمن المعروف أن وزير البيئة هو رئيس "المجلس الأعلى للصيد البري" كون وزارة البيئة هي وزارة الوصاية، منذ أن أصبح ملف الصيد البري تابعا لوزارة البيئة بعد أن كانت وزارة الزراعة هي المسؤولة عنه، في العام 2004"، وفقا لما قاله الصحافي والمتخصص في شؤون البيئة حبيب معلوف لـ "زوايا ميديا"، مشيرا إلى أن " الوزير قد قرر عدم افتتاح موسم الصيد لأسباب عدة ودامغة، ما يحتم تعليق موسم الصيد، وخصوصا وأن المجلس الحالي قد انتهت صلاحيته منذ أيار (مايو) الماضي، وقد راسلت وزارة البيئة الوزارات والإدارات المعنية لتسمية ممثلين جدد عنها لإعادة تشكيله، إلّا انها أعادت تسمية ممثليها في المجلس المنتهية صلاحيته، ما يخالف القانون الذي ينص على ضرورة تغيير الأسماء، وقد بقي ثلاثة أسماء في هذا المجلس لم يتم البت فيها بعد".
وقد كتب معلوف في موقع "الأخبار" مقالا شاملا حول قرار وزير البيئة هذا، بعنوان " البلاغ رقم واحد لوزارة البيئة: الصيد ممنوع!" تناول فيه جوانب عدة لهذا الملف الشائك.
وأوضح معلوف لـ "زوايا ميديا": "الحرائق أتت على ما يزيد عن 12 ألف هكتار من موائل الحيوانات والطيور، ما يحتم إجراء دراسات مستفيضة ومستمرة حول التنوع البيولوجي وتأثره بهذه الكوارث، وخصوصا لجهة أعداد وأنواع الطيور وتأثرها بما حصل، لا سيما وأنه يوجد في لبنان حتى الوقت الحاضر 11 نوعا من الطيور المهددة عالميا، و4 أنواع من الطيور مهدّدة بالانقراض، و7 أنواع من الطيور المعرضة للخطر، و15 نوعا من الطيور بالمهددة نسبيا، وبالتالي لا بد من متابعة علمية دقيقة ومستمرة لأنواع وأعداد هذه الطيور بالتعاون مع المجتمع المدني وجهات أكاديمية مختصة، للتمكن من تحديد طرائد الصيد من غيرها من الأنواع الممنوع صيدها"، مؤكدا على "تشدد الوزارة مع الجهات المعنية في قمع المخالفات في هذا الملف، خصوصا وأن البعض بدأوا بممارسة الصيد وقبل افتتاح الموسم".
الخطيب: الصياد المسؤول يكافح الصيد الجائر
من جهته، قال رئيس مركز الشرق الاوسط للصيد المستدام MESHC، والمنسق الميداني للصيد المسؤول في جمعية حماية الطبيعة في لبنان SPNL أدونيس الخطيب: "نحن نمثّل الصيادين المستدامين الذين هم العمود الفقري في مكافحة الصيد الجائر، ونتروى في إصدار بياننا حول تعليق موسم الصيد، ريثما نلتقي بمعالي وزير البيئة ناصر ياسين الذي يبدي ايجابية كبيرة في التعاطي معنا، ولنوضح له تداعيات هذا القرار الظالم للصياد المسؤول، وضرورة التفريق بينه وبين القواص المخالف، وكنا نتمنى أن يكون هناك قرار بالتشدد في منع المخالفات، ودعوة الصيادين إلى ممارسة حقهم بالصيد القانوني، خصوصا وان الصياد خلال السنتين الأخيرتين لم يستفد من رخصته بسبب جائحة كورونا، فضلا عن الوضع الإقتصادي المتأزم، فثمن الخرطوش باهظ، والطيور بحالة أفضل وأعدادها كثيرة"، وأضاف: "كما وأن الصيادين المستدامين في منطقة إغبة، قاموا بحماية الطيور المهاجرة، وبشهادة منظمة CABS الدولية، كما وقاموا بحماية تلة داريا التي كانت تعتبر مقبرة الطيور المهاجرة في الضنية، وقد تم منذ أيام افتتاح مركزا لمراقبة الطيور، كما وأنه في البقاع الغربي، حيث كانت تحصل مجازر سنوية تطاول طائر اللقلق المهاجر، فإن هذه الظاهرة قد انخفضت إلى أكثر من 80 بالمئة، حيث يتابع الصيادون المستدامون التبليغ عن المخالفات التي تحصل، وتتم ملاحقتها على الفور، من قبل مخابرات الجيش وقوى الأمن الداخلي" وأكد على أنه "بعد الاجتماع مع معالي وزير البيئة يوم الخميس سنصدر بيانا حول نتائج الزيارة التي سيشارك فيها معنا كجمعية ومركز، منظمة CABS الدولية لمكافحة ذبح الطيور، التي تعتمد في عملها في لينان على تعاون ودعم من الصيادين المستدامين".
والجدير ذكره أن وحدة وحدة مكافحة الصيد الجائر التابعة APU لـ "مركز الشرق الأوسط للصيد المستدام" " MESHCوجمعية "حماية الطبيعة في لبنان" SPNL وبالتعاون مع ناشطين ومعنيين تمكنوا نهاية الأسبوع الماضي من تخليص ثلاثة طيور مهددة بالانقراض من نوع الرّخمة المصرية Egyptian vulture، من إحدى حدائق الحيوانات، تمهيدا لتأهيلها، وإعادة إطلاقها إلى البرية.
وبالعودة لعنوان هذا المقال، وتأثير الأزمة الإقتصادية على "رياضة الصيد"، فإن أسعار علب الخرطوش (25 ضربا) يتراوح بين 6 دولارات و25 دولارا، أي أن الصندوق 10 علب خرطوش بين 60 دولارا و250 دولارا، بحيث يكون سعر الصندوق "الأرخص" يقارب الراتب الشهري لبعض الأشخاص، وإن أضفنا أزمة البنزين وطوابير الذل إلى هذا كله، يجعلنا هذا الأمر نتساءل، لماذا يستمر البعض في ممارسة "هوايته" على الرغم من كل التبعات الحياتية والقانونية والإقتصادية؟!