جاءت مقدمة نشرة الأخبار على فضائية الجديد New.tv نارية تكاد توجز بعضا من واضع لبنان المهترىء، وجريئة في مقاربة الفساد والتغطية على ممارسات فاضحة، خصوصا وأن المستجد لبنانيا بات يستدعي معالجات بخلاف ما نشهده اليوم من تغطية على المجرمين والفاسدين، ولا سيما في موضوع انفجار مرفأ بيروت.
وجاء في مقدمة "نيو تي في"، الآتي: "على أبواب بعبدا تظاهرتان: في حب الرئيس، وضده لكرامة الجمهورية ولعدل بيروت في ذكرى أربعينها الدامي. لكن التظاهرتين وقعتا تحت خطوط الاستنفار والاصطدام والمبارزة، فكان التوتر المصحوب بمواقف التحدي من كلا الطرفين. وإذ تدخل الجيش للفصل، فإنه رد على الماء بالرصاص، في مشهد أحدث ترويعا للناشطين والصحافيين، مبررا إطلاق النيران بتعرض جنوده لرشق الحجارة وضربهم بالعصي ومحاولتهم الوصول إلى القصر الجمهوري.
لكن المتظاهرين تسلقوا أعلى اللوحات المؤدية إلى بعبدا، وبدلوا العنوان من القصر الجمهوري إلى "قصر الثوار"، وأقدموا على تعليق المشانق.
والطريق الى بعبدا كان مقطوعا على خطين: إيابا في التظاهرات، وذهابا لناحية زيارة الرئيس المكلف مصطفى أديب، الذي لم يطلب موعدا من رئيس الجمهورية لعرض التشكيلة قبل انقضاء مهلة الرئيس الفرنسي. وبدا أديب ملتزما توصيات الكورونا سياسيا، محافظا على التباعد الاجتماعي السياسي بينه وبين الكتل والأحزاب والتيارات. وهو إذا كان ثابتا على معادلة "بتمشوا أو بمشي"، فهو اليوم عدل في أحرفها فارضا عنوان "بتمشوا أو.. بتمشوا، ولست ملزما ميثاقيتكم الوبائية".
وينطلق أديب من ميثاقية فرنسية لا ثلث معطل فيها، ولا جبر لخواطر الزعماء المتنازعين على الحصص، المتصالحين على المكاسب في وقت واحد، والمنتجين في النهاية مجلس وزراء هو تمثيل واقعي لمجلس القبائل والطوائف وفساد الأحزاب والتيارات.
وتجارب "التلحيم" السياسي التي علمت في جلد حكومة حسان دياب، بدا أنها درس لحكومة أديب، بحيث لم يأخذ لتاريخه بمقدسات الثنائي الشيعي، ولم يركن إلى صمت جبران باسيل وإعلانه العفة الوزارية، ذلك أن رئيس "التيار الوطني" سبق أن أقسم على عدم التدخل لدى تشكيلة دياب، وإذا بالحكومة تكشف عن الوجوه، فتصبح وزيرة العدل خبيرة بشؤون سلعاتا القانونية. واليوم فإن التشكيل واقع على حرب صامتة، طرفاها: ماكرون.. والماكرون.
ضمانة فرنسية وحربقات لبنانية تلتف على التأليف، وتتهيأ لضياع الفرصة الأخيرة المتبقية، ولبنان بين حكومة أديب بـ "دهان فرنسي"، أو حكومة بدهاء لبناني اعتاد تعطيل التشكيلات، سواء الوزارية أو تلك القضائية، فتفجير الرابع من آب حمل معه لهيبا دوليا لمساعدة لبنان، لكن يد العون من الخارج اصطدمت بعون الداخل، وسياسة رئيس الجمهورية واستمراره في رعاية الفساد وحمايته، ما تسبب بمزيد من العزلة للبنان.
وما عدا دعم "حزب الله"، فإن الرئيس ميشال عون بات محاصرا من الداخل والخارج، ومحصنا متهمين في جريمة المرفأ، معلنا في خرق واضح للدستور، تدخله في عمل القضاء. وفي آخر مراسيمه الجوالة أن عون لم يرفض التوقيع على مرسوم إعفاء السيد بدري ضاهر، لكنه طلب، عملا بمبدأ المساواة إصدار جميع المراسيم المتعلقة بالموظفين المعنيين الذين ينتمون إلى الفئتين الأولى والثانية والموقوفين عدليا، ولم يتخذ في شأنهم أي تدبير إداري بعد.
أي ان رئيس الجمهورية يطلب هنا مساواة مذهبية طائفية بغيضة، ويحمي بدري ضاهر بذريعة المساواة، فمن يأذن للرئيس المؤتمن على حماية الدستور، أن يحصن متهما بقتل مئتي شخص وجرح آلاف وتشريد مدينة كاملة، من آذنه خرق الدستور وخطاب القسم، وهو الذي أقسم على فصل السلطات ووعد بالاستقلالية القضائية؟ كيف حل رئيس البلاد في مقام المدعي العام التمييزي ومحقق عدلي، وقرر منح الحصانة لشخصية حرست نيترات الأمونيوم وفاوضت عليها وأهملتها وأشرفت على بيع أجزاء منها، قبل أن تنفجر فينا.
رئيس يحتجز التشيكلات القضائية بمرسوم، ويحفظ بدري ضاهر بمرسوم آخر، قد يحتاج في وقت قريب إلى مرسوم ثالث بمادة وحيدة، "مع فنجان شاي"، تقضي بمحاكمته بتهمة خرق الدستور".