فصل الخريف هو ثالث الفصول، هو فصل الحياة، فصل إعادة تهيئة الأرض والأشجار لموسمٍ جديد، لكنّه يجمع كل فصول العام فيه، ففيه يتساوى الليل مع النهار، ويتصالح المطر مع أشعة الشمس فيأتيان سوياً، وفيه تجتمع برودة الشتاء دونما قسوة،ودفء الصيف دونما جفاف، وفيه تنفض الأشجار أثوابها القديمة، لتتهيأ لارتداء أثواب زاهية، يانعة، وجديدة، وفصل الخريف يأتي بعد الصيف جالباً للخير؛ ففيه أول المطر والنماء، وكأنه نهاية جمال وبداية جمال من نوع آخر.
دير غسانه العريقة على لائحة تراث منظمة العالم الإسلامي
كانت السماء ملبدة بالغيوم وتبشر بالخير القادم، عندما بدأ فريق "أمشي وتعرف على بلدك" يوم الجمعه، وهو يوم مساره البيئي الأسبوعي الى قرية دير غسانه، والتي تم إدراجها قبل نحو أسبوع على لائحة تراث منظمة العالم الإسلامي للتربية والثقافة والعلوم (الايسيسكو)، وشارك في المسار نحو خمسون مشاءا برفقة مصور وموثق الحياة البرية محمد خليل الشعيبي "أبو خليل" إبن قرية دير غسانه، وهي قرية فلسطينية تقع في الضفة الغربية الفلسطينية وتتبع محافظة رام الله والبيرة وتقع على بعد 27 كم إلى الشمال الغربي من مدينة رام الله .
محمية وادي عين الزرقاء العلوي
بـدأ مسـارنا البيئي مـن وسـط قريـة ديـر غسـانة باتجـاه شـمال غـرب القريـة، بالهبـوط نحـو وادي العونيـة، وهـو وادي يمتـد نحـو 5 كـم فـي أراضيهـا التـي يمتلكهـا أهـل القريـة، حيـث يوجـد علـى يسـار الـوادي جبل يسـمى جبـل الباطـن، وهـو مـن سلسـلة الجبـال الوسـطى والـذي يعتبـر حـدا فاصلا بيـن جبـال القـدس ونابلـس، ومـن خلالها تطـل علـى السـهل السـاحلي الفلسـطيني.
تعتبر محميــة وادي عين الزرقاء العلوي غنيــة بالتاريــخ والآثار والمقامات الدينيــة، ففــي ثلثهــا الأخير وبالتحديــد فــي وادي صريــدا توجــد مملكــة صريـدا، وفـي الجبـل المقابـل لـه هنـاك "مغـارة أم البابيـن"، بالإضافـة إلـى ذلـك هنـاك 3 مقامـات، الرفاعـي والمجـذوب والخـواص علـى الجهـة العلويـة مـن المحميـة.
تشــتهر المحمية بكثــرة الميــاه الجوفيــة والينابيـع الطبيعيـة مثل عيـن الزرقـاء وعيـن أبـو نيـاق، وتعـزى كثـرة الميـاه هـذه إلـى وجـود الصخـور الكلسـية التـي يتسـرب المـاء مـن خلالها بسـبب العوامـل الجيولوجيـة.
الإقليم المناخي للمحمية
تتبـع محميـة وادي عين الزرقاء العلوي إقليـم البحـر المتوسـط، حيـث تصنـف بانتمائهـا لهذا النظـام البيئـي أو الموئــل الطبيعــي لنظــام أشــجار البلــوط العــادي علــى الصخــور الجيريــة، وتســود أشــجار البلــوط والملــول والســريس وأشــجار الزيتــون فــي الــوادي، وكذلك أشــجار الخــروب والزعــرور والبطــم الفلســطيني وأشــجار الســويد الفلســطيني، كما يمتــاز هــذا الإقليم بوجــود فصليــن مركزييـن خلال السـنة، ألا وهمـا فصـل الصيـف الحـار إضافـة إلـى فصـل الشـتاء المطيـر، ويعتبـر هـذا المنـاخ منـاخ انتقالـي وذلـك بيـن المنـاخ المعتـدل والمنـاخ شـبه المـداري الجـاف.
وانتهى المسار الذي كان بطول 8 كيلومتر في قرية دير غسانه، وقال الأستاذ رامي صخر البرغوثي الذي رافق الفريق في الجولة الميدانية الى البلدة القديمة وبعض معالم القرية: "يعتبر وضع قرية دير غسانه على لائحة تراث منظمة العالم الإسلامي إنجازا هاما، يؤكد على الهوية الفلسطينية لهذه المواقع، ويعزز بعديها العربي والإسلامي، خصوصا في ظل ما تتعرض له هذه المواقع من اعتداءات إسرائيلية ومحاولة تهويد للتراث الفلسطيني بجميع مكوناته".
واعتبر البرغوثي أن هذا "التسجيل سيساهم في ترويج هذه المواقع كمواقع تراث تستحق الزيارة، لما تحتويه من قيم ثقافية وطبيعية وعناصر جذب سياحي، بالإضافة إلى الإسهام في استقطاب مشاريع تطويرية من خلال المنظمة".
كما تنتشر على أراضيها عدة ينابيع، هي: عين الزرقا، وعين سابونا، وعين الحجر، وعين أبو نياق، والجديدة، وأبو ناظم، والفوارة، ومسيتا، والتفاح، والدير، وقاروص، بئر صريدا. وقد حاول المستعمرون انطلاقاً من مستعمرة "بيت أريه" السيطرة على نبعة عين الزرقاء شمال غرب قرية دير غسانة مراراً و تكراراً والتي لا تبعد عن المستعمرة سوى 900 متر تقريباً.
يشار إلى أن نبعة عين الزرقاء في قرية دير غسانة من المعالم الأثرية والتاريخية التي تدل على أصالة الأرض، وعلاقة الفلاح الفلسطيني في أرضه، حيث كانت تستخدم قديماً في ري المزروعات في المنطقة، وكذلك في توفير مصدر مائي لتأمين حاجات السكان الأساسية من مياه الشرب، وما زالت حتى اليوم تستخدم في توفير و لو بشكل بسيط حاجات المزارعين من مياه الري هناك.