الباحث : خالد أبو علي بالتعاون مع المرشد : أ.عوني العمري
بعد نحو 73 عاما قضاها الفلسطيني التسعيني شيخ المؤذنين علي صالح اسعد حسين "أبو ماهر" في جنين، عاد في جولة ميدانية إلى مسقط رأسه "زرعيــن"، ليجد أن القرية ليست هي القرية التي تركها، فقد تغيرت هويتها وتبدلت ملامحها، لقد هدم الإحتلال بيوت زرعين المهجرة لإخفاء معالمها، وإبادة ما فعلته وكونته أيدي الفلاحين الفلسطينيين، وقام عبر مؤسساته الكولونيالية بزراعة أشجار حرجية دخيلة وأقام متنزهات عامة مكانها ومواقف للسيارات .
الأستاذ عوني العمري خلال حواره مع الشيخ الجليل على أرض المدرسة التي تعلم فيها الشيخ والآن اصبحت متنزه عام بعد دمرها الإحتلال كبقية منازل قرية زرعين
وكم كانت مؤثرة في المشاعر بين الحزن والفرحة الخطوات الأولى للوالد الجليل على ثرى واعتاب مسقط رأسه العزيز "زرعين"، ولا تزال ذكريات شيخ المؤذنين وهو من مهجري النكبة، تختزن مشاهد مؤلمة، مرت بمحطات عديدة، بدأت من قرار التقسيم، ودخول العصابات الصهيونية قريته زرعين، وموجات القتل والقصف والتشريد، مروراً بكل سنوات اللجوء التي حدثت بعد النكبة، وما تبعها من مجازر وحروب، كانت كفيلة بأن يعيش النكبة عشرات المرات.
في رحلة العودة لشيخ المؤذنين الى قرية زرعيــن المهجرة، كان برفقتنا الصديق والمرشد والخبير السياحي المختص في الطبيعة ومعالم فلسطين الأستاذ عوني العمري، والدي اتحفنا بالمعلومات التاريخية عن المنطقة من خلال حواره مع الشيخ أبو ماهر، كان معنا على مدار يوم كامل تجولنا خلاله في ارجاء زرعيــن، وسرد لنا حكايات التشريد الفلسطينية المتواصلة، ورصد التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية في سهل مرج ابن عامر "سهل يزراعيل الكنعاني" ومنطقة الجالود وحدثنا عن تواريخ مفصلية هامة حدثت في المنطقة .
كما سمعنا قصص عائلاتنا وحكاية أهلنا ووقائع جيراننا وتغريبة شعبنا، قصص كثيرة ومثيرة، سنرويها نحن الأبناء عن الآباء، لينقلها الصغار عن الكبار لتعزيز الوعي وحفظ الذاكرة، قصص عاشها الأبناء الحاليون، ونسج خيوطها المهجرون الذين لا زالوا هم اللاجئين .
"هنا، عند مُنْحَدَرات التلالِ، أمامَ الغروبِ
وفُوَّهَةِ الوقتِ،
قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِّ،
نفعَلُ ما يفعَلُ السُجَناءُ،
وما يفعلُ العاطلون عَن العَمَل:
نُرَبِّي الأَمَلْ."
الشاعر الفلسطيني الراحل : محمود درويش
يقال أن الألم يُبرز أفضل ما في الإنسان، يقول الشيخ الجليل حين ارتكبت العصابات الصهيونية واحدة من أفظع جرائمها في أيار (مايو) 1948م في قرية زرعين، والتي راح ضحيتها العشرات من الناس الأبرياء، صرتُ إنساناً آخر، لقد اختلطت مشاعري وقتها: عجز، رعب، ألم، وحدة، عزلة، كآبة، وعناد كبير، كنا نسمع صوت قذائف الطائرات والدبابات الإسرائيلية وهي تقصف المنازل في زرعين، لقد كان طعم العجز شديد المرارة في حلقي حين تواطأت الليالي الطويلة الحالكة مع العصابات الصهيوينة ضد السكان الآمنين ! لم أتمكن وقتها من استيعاب كل تلك الأحداث والأخبار الممزوجة بالدم و الأشلاء، تلك التي تعود الى جيراني واهلي وابناء قريتي .
وكانت قد صادفت الذكرى 73 لنكبة فلسطين، في 15آيار/مايو، التي شردت في عام 1948م نحو 800 ألف فلسطيني، حيث سيطر الاحتلال الإسرائيلي في مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، بعد أن دمر 531 بالكامل، وأخضع ما تبقى لقوانينه، مرتكبا نحو 70 مجزرة استشهد فيها أكثر من 15 ألف فلسطيني.
وشرد الاحتلال نحو 800 ألف لاجئ إلى دول عربية، ونازح من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يعيشون في فلسطين، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948م القرار 194 الذي يوجب عودة اللاجئين إلى ديارهم وتعويضهم.
بلغ عدد الفلسطينيين المقدر حول العالم، مع نهاية 2020 م، حوالي 13.7 مليونا، بينهم 5.2 ملايين في الضفة الغربية (بما فيها القدس)، وقطاع غزة وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن عدد الفلسطينيين في قطاع غزة بلغ نحو 2.1 مليون، وفي الضفة الغربية 3.1 ملايين. وأن نسبة اللاجئين بين سكان الضفة وغزة، الذين تم تهجيرهم من أراضيهم، إبّان نكبة فلسطين عام 1948 تقدر بـ 42 بالمئة.
ويعيش في الداخل المحتل نحو 1.6 مليون فلسطيني، ينحدرون من سلالة نحو 154 ألف فلسطيني، لم يغادروا أراضيهم إبان النكبة، أما بقية الفلسطينيين، فيعيشون في الشتات، ومنهم 6.2 ملايين في الدول العربية، ونحو 738 ألفا في الدول الأجنبية، ويعيش نحو 28.4 بالمئة منهم في 58 مخيماً رسميا تابعا للوكالة الأممية، منهم 2.327 مليون لاجئ في الأردن.
حق العودة هو حق الفلسطيني الذي طرد أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948 أو في أي وقت بعد ذلك، في العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل 1948، وهذا الحق ينطبق على كل فلسطيني سواء كان رجلاً أو امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما، مهما بلغ عددها وأماكن تواجدها ومكان ولادتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وان نص حق العودة الى بيوتهم التي هجروا منها قد تجاوزه الاحتلال بنصه القانوني، فقد هدم الاسرائيليون البيوت لكي يلغوا حق العودة الى بيوتهم وموطنهم أو حتى طرح فكرة التعويض عنها .
ينطبق حق العودة على كل مواطن فلسطيني طبيعي سواء ملك أرضاً أم لم يملك لأن طرد اللاجئ أو مغادرته موطنه حرمته من جنسيته الفلسطينية وحقه في المواطنة، ولذلك فإن حقه في العودة مرتبط أيضاً بحقه في الهوية التي فقدها وانتمائه إلى الوطن الذي حرم منه.
حق العودة حق غير قابل للتصرف، مستمد من القانون الدولي المعترف به عالمياً. فحق العودة مكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 10 كانون الأول (ديسمبر) 1948، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 13 على الآتي: (لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده)
يتبع الجزء الثاني ......
ملاحظة: الصورة الرئيسية، أول خطوات الشيخ الجليل على أرض قريته زرعين المهجرة والمدمرة بعد 73 عاما من الغياب القسري