تنتج شجرة جوزة الطيب واسمها العلمي Myristica fragrans، نوعين من البهارات، "جوزة الطيب" Nutmeg و"البسباسة" Mace، وبينما نحصل على نوعي البهارات من الشجرة نفسها، بل من الثمرة نفسها، إلا أن سعر البسباسة أغلى بكثير.
وقد وجدت إحدى المدن الهندية، بولاتشي Pollachi، طرقًا لتصنيع بعض أفضل أنواع "البسباسة" و"جوزة الطيب"، مع الاستغناء بشكل فعال عن الوسطاء والبيع مباشرة للمشترين. ويباع الكيلوغرام من البسباسة بحوالي 50 دولارا ــ وهو أكثر تكلفة من المنتج الرئيسي لهذين البهارين في الهند، ولاية كيرالا، الذي يبيع بسعر 35 دولارا للكيلوغرام الواحد، والولايات المتحدة بسعر 9 دولارات للكيلوغرام الواحد.
و"البسباسة" هي غطاء الثمرة الأحمر اللاصق الذي يحيط ببذور جوزة الطيب، وهو أغلى بخمس مرات من جوزة الطيب وهش للغاية، وإن تم جنيها ولو متأخرة ليوم واحد فمن الممكن أن تتسبب بفقدان قيمتها بسبب نوع من الفطريات والتي تصبح ثمارا من الدرجة الثانية وتباع بأسعار بخسة، لذا يحتاج قاطفو الثمار إلى متابعة هذه الثمار بصورة دائمة وخصوصا في موسم الأمطار، كما تصاب الشجرة بالكثير من الآفات الزراعية مثل النمل الأحمر المعروف بالنمل الناري والذي تتسبب لسعاته بآلام مبرحة للعاملين، وعندما تصبح الشجرة أكبر يصبح التخلص من هذا النوع من النمل صعبا، لذا يعتبر غسل الثمار أساسيا للتخلص من النمل والحصول بطريقة أسهل على "البسباسة" منها.
فما الذي يجعل "جوزة الطيب" و"البسباسة" من Pollachi مميزين للغاية؟ ولماذا هي باهظة الثمن؟
منذ الصباح الباكر وفي الطقس الجاف يستعد المزارعين والمزارعات في البلدة الهندية لحصاد "جوزة الطيب" و"البسباسة"، فعلى الرغم من احتياج شجرة "جوزة الطيب" للكثير من مياه الأمطار، إلا أن الطقس الجاف هو الطقس المناسب لقطاف الثمار، وقد تصل شجرة "جوزة الطيب" إلى ارتفاع 50 قدما (حوالي 15 مترا) ويحتاج المزارع لعصا طويلة من الخيزران أو الألمنيوم لقطاف الثمرات الصفراء التي عندما تنضج تتفسخ والتي تحتوي البهارين في أعالي الأشجار وخصوصا في نهاية الموسم، والتي تؤدي لآلام مبرحة في الكتفين والظهر لهؤلاء المزارعين/ات اللذين لا يحصلون إلا على جزء بسيط من الأرباح.
والثمرة لها غلاف أصفر كما أسلفنا، يتم تحويلها إلى مربيات، كما ويتم طحن الغلاف القاسي للثمرة مع النوى لنوع أرخص من البهارات، بينما يتم نقع "البسباسة" مع الثمرة الداخلية لفترة 15 دقيقة، ويتم تنقيتها يدويا وبحذر وبطء للحصول على الغلاف أو "البسباسة" بشكل سليم، وهي عملية تتطلب الوقت والتدريب للقيام بها بشكل جيد، ويتم الضغط عليها لتصبح مثل زهرة "اللوتس"، ويتطلب الحصول على 100 منها حوالي ساعة كاملة، ليتم تجفيف ثمار "جوز الهند" و"البسباسة" بصورة منفصلة تحت أشعة الشمس، وإن كانت الشمس حادة، يتم نقلها إلى الظل، الذي يحافظ على النكهة والرائحة، والتي يتم حفظها حتى لسنة بعد جفافها في براميل.
ولا تتمتع جميع هذه الثمار وقشرتها بنفس النكهة والرائحة، إذ تتميز ثمار بولاتشي في شرق الهند بلونها المميز عن الثمار من الإنديز الغربية مثل غرانادا، بينما تلك من الإنديز بلون أفتح ونكهة أخف، فضلا عن كمية الدهون التي تحتويها تتراوح بين 10 و15 بالمئة بينما تلك من مصدر غرانادا بين 7 و11 بالمئة، ما يعطيها نكهة ورائحة أقوى، وتباع بالتالي بأسعار أعلى، كما وأن غشاء "البسباسة" أسمك ويشبه زهرة اللوتس ما يجعل الأرباح منه أكثر من الثمرة نفسها.
وتنتج بولاتشي هذين البهارين بكمية أقل من كيرالا بنسبة 40 بالمئة، إلا أن الأمطار أقل وبالتالي تساهم في الحفاظ على الإنتاج أكثر، كما وأن أصحاب المزارع تابعوا أسلوبا في تهجين الأشجار يؤدي لإنتاج ثمار أكبر وبغلاف أفضل، ويقومون بإكثار هذه الثمار في مشاتل خاصة، للحصول على أفضل إنتاج، حيث يتراوح وزن حبة "البسباسة" بين 2,5 و4 غراما، بينما لا يتجاوز وزن الثمرة من مناطق أخرى من الهند الـغرام ونصف الغرام، كما ويعملون على التويع في الأشجار ويتم زراعة صنفين من الأشجار في المزارع، ما يمكن التربة من الإحتفاظ بالمياه بصورة أفضل، وأفضل هذه الأشجار شجار جوز الهند التي توفر كمية مناسبة من الظل تناسب هذه الأشجار وتساهم في جودة ثمارها.
وقد اتبع اصحاب المزارع أسلوبا جديدا لتخطي الإحتكار، خصوصا وأن المساحة المزروعة تتجاوز مليوني متر مربع، حيث أسسوا تعاونيات زراعية لبيع محصولهم بأنفسهم، ولدول مختلفة مثل أستراليا وهولندا، والتي ساهمت بتحسين حياة المزارعين/ات بصورة نوعية، ويعود الفضل لصنف بولاتشي المميز.
بتصرف عن Business Insider